.
...يؤخر التغيير ويعرقل مسارهه الحتمي
معضلة كبيرة تطرح على المغاربة الدين يطمحون لتغيير نظام الحكم السياسي ببلدهم: تلك التي تكمن في الإحسان المادي لملايين المعوزين ومد يد المساعدة لهم او التخلي عن هؤلاء ومطالبة الدولة القيام بواجبها نحوهم في المجالات الاجتماعية التي ينص عليها الدستور المغربي
قبل تفشي وباء كورونا وما صاحبه من ارتفاع عدد الفقراء وانضمام طوابير من المسرَّحين من عملهم لصفوف المعوزين بسبب الكوفيد، كانت وضعية ملايين المغاربة المعاشية تتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار المادي والغدائي ناهيك عن الحرمان من حق التطبيب والسكن اللائق ...
وكان عدد كبير من المهمشين اقتصاديا واجتماعيا يلجؤون من أجل توفير القوت اليومي لأسرهم الى الاشتغال ضمن مهن تنتمي الى القطاعات الغير مهيكلة من "فَرَّاشة" وحمالة وسائقي تريبورتورات ومتوسطين لبيع تداكير حافلات النقل مابين المدن وغيرها من الحرف التي لاتفتح لممتهنيها اي حق في العلاج او التعويضات الاجتماعية على اختلاف أشكالها
كما ان امتهان هده الأنشطة الشبه اقتصادية تضيع على خزينة الدولة لطبيعتها الغير مهيكلة، مبالغ هائلة من المستحقات الضريبية
الى جانب هده المهن التي لايدخلها إلا من يملك القوة البدنية والجرأة والصنطيحة، نجد ملايين الفقراء من رجال ونساء وشباب يقضون ايامهم على حافة الشوارع في انتظار من يجود عليهم بدرهم او نصفه او من يوظفهم لساعات، بالنسبة للنساء، لتنظيف منزله او شقته، دافعا لهن مبلغا بئيسا لايمكنهم من خلاله سد حاجياتهم اليومية
مايُمَكِّن هؤلاء المعوزين الدي يرتفع عددهم بشكل مهول ومخيف من البقاء على قيد الحياة دون التفكير فيما هو مكمل لتناول الخبز والشاي، يكمن في تقديم يد المساعدة لهم من طرف اهاليهم وأقربائهم وحتى جيرانهم
يطلق المغاربة على هده الظاهرة إسم "التكافل الإجتماعي" الدي يعوض مند عقود الدور المنوط بالدولة في واجبها توفير شروط العيش الكريم للمواطنين الفقراء والمحتاجين
حتى من منهم تم إفراغه من بيته دون منحه أي بديل من طرف الدولة يجد سقفا يختفي تحته لدى العائلة الواسعة أو بشفقة عليه من الجيران او المحسنين
ادا أضفنا الى هده المساعدات التكافلية ما يقدمه مغاربة الخارج لأهلهم ودويهم من أجل التغلب على صعوبة اوضاعهم المعاشية، وما يساهمون به عبر الترويج الإستهلاكي اثناء عطلهم، لكانت الكارثة افضع وأكبر
يمكن القول أنه لولا هدا التضامن بين المستضعفين والفقراء لوجدنا الملايين من المغاربة يفترشون الأرض ويتغطون بالسماء
هده الأوضاع أدت في جل البلدان الأروبية في العصور السالفة الى ثورات على الملوك والنبلاء والإطاحة بنظام الإقطاع وتدشين اسس بناء النظام الديموقراطي الدي أصبح يكفل حق الجميع في العمل والسكن والعيش الكريم
في المغرب، وبدون أدنى شك، يساهم وقوف من لديهم مايتطوعون به لمساعدة طوابير الضعفاء في تهدئة مشاعير البؤساء والفقراء تجاه الظلم والحرمان الدي يطالهم من طرف الأغنياء وناهبي أموال البلاد، كما يساهم هدا التكافل في عرقلة انتفاضات الجوع التي حتما ستؤدي إن انطلقت شرارتها الى العصف بالنظام القائم في المغرب
نحن اليوم أمام معضلة يصعب الحسم فيها: هل نستمر في إغاثة الفقراء ونساهم في تعطيل مسار التاريخ التحرري للإنسان المغربي، أم نتوقف عن هده الطقوس المنبثقة من الدين الإسلامي لنترك ملايين الكادحين وأشباه البروليتاريين يقومون بما يجب القيام به لإثبات حقهم في الكرامة والعدالة والعيش الكريم؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire