.
ابتعدوا عن شباب جيل زد
ابتعدوا عنهم مابتعدت السماء عن الأرض
لما استمعت قبل ايام للتحليل الغريب الدي قدمه الشيخ الاعلامي علي المرابط بخصوص حراك جيل زد حيث قال ان هؤلاء الشباب لايفقهون شيئا في أمور السياسة واصفا اياهم بالعياشة الخانعين للمؤسسة الملكية لأن مطالبهم لاتتعدى أن تكون اجتماعية واقتصادية إضافة الى مقاطعة مباريات الكان، تيقنت ان مرابط الدي يعلن دوما امام الملأ وبصريح العبارة انه فقط اعلامي وصحفي وأنه لايهتم ولا يتدخل في السياسة، أصبح شخصا يعاني من سكيزوفرينية مقلقة
بالفعل، كيف لرجل مثل المرابط الدي يقضي كل وقته في سرد أحداث ووقائع و تحليلات سياسية منتقدا المؤسسات السياسية بكل أشكالها وانواعها بما فيها المؤسسة الملكية، ان يوهم من يستمعون اليه انه صحفي "فقط" وانه لايولي اي اهتمام للسياسية
سيرورته مند نعومة اظافره انغمست في السياسة لما منحته الدولة منصبا سياسيا يخضع لمعايير صارمة، أمنية على الخصوص، من طرف مؤسسة الخارجية السياسية والسيادية، منصب موظف رفيع المستوى بسفارة مغربية بالخارج يعين كل من يشتغل بها من طرف الملك
فالسياسة، خلافا لما يقوله المرابط، شكلت بالنسبة لهده المسيرة المهنية الطويلة, العمود الفقري في حياة الصحفي علي
قبل أن يكتشف الصحافة والاعلام إلى جانب صحفيين سياسيين وليس رياضيين او مهتمين بالفنون الجميلة، هما "علي عمار وابو بكر الجامعي" ضمن مجلة لوجورنال السياسية التي واكبت تربع محمد السادس على العرش سنة 1999 آملة منه ترقيتها لتكون منبرا للعهد الجديد السياسي, وليس الترفيهي او الثقافي
كانت وقتها كل مقالات الصحيفة لوجورنال تتطرق بشكل شبه حصري للشؤون السياسية في المغرب
أنشأ علي المرابط بعد دلك مجلة دومان السياسية التي كان شغلها الشاغل الاهتمام بالسياسة الداخلية والخارجية للمغرب، لدرجة انه توجه لتل أبيب لاجراء استجواب سياسي مع بنيامين نتانياهو
ويأتي اليوم المرابط ليحاول استحمار المغاربة وايهامهم بانه مجرد اعلامي ينقب ويبحث عن الاخبار، والأخبار فقط، لينقلها لمتتبعيه عن طريق فيديوهات ينفي عنها كل صبغة سياسية
المرابط وبالرغم من خدشه في الشؤون السياسية باستمرار لايملك اية تجربة ميدانية داخل الحقل السياسي المغربي او تكوينا سياسيا ولو بسيطا يجعله قادرا على تحليل ديناميكية رائعة كتلك التي تحمل عنوان جيل زد الدي اعتدى عليه ضمن خرجته الأخيرة
فلما يتعدى حدوده الدي يؤكد عليها كصحفي "لاسياسي" ليحلل حراك شباب جيل زد، واصفا اياه بالمتشبث بالمؤسسة الملكية والمكتفي بالمطالب الخبزية، يرتكب المرابط وباقي شيوخ النضال الدين اكل عليهم الدهر وشرب، خطأ فادحا وجرما كبيرا في حق هده الثورة الجديدة المحمولة من طرف الشابات والشبان و المراهقات والمراهقين
فالمرابط وغيره ممن احتكروا الفضاء النضالي مند استقلال المغرب لم يستطيعوا تغيير اي شيئ، لاعلى المستوى السياسي او الثقافي اوحتى الأدبي
انهم مدينون لبقائهم على قيد الحياة الافتراضية لوجود الفايس واليوتيوب ووسائل أخرى تندرج ضمن العالم الأزرق. لولا هده الأدوات الآتية من الغرب، لما بقي لهم وجود داخل الفضاء العام
سأشرح للمرابط بالخشيبات الباطن والظاهر من دينامية جيل زد
لما تتهمهم اسي علي بعدم القدرة على المطالبة بتغيير نظام الحكم في المغرب والاكتفاء بنداءات تهدف لمقاطعة مباريات الكان والمونديال، فأنت لاتفقه شيئا في الاستراتيجية الرائعة التي بلورتها هده الحركة والمتمثلة في تحليل دقيق وبارع لموازين القوى بين نظام الحكم القائم بالمغرب والحركات المطالبة بالتغيير
جيل زد يعي كل الوعي ان قوته الفتية لاتملك أية رافعة بإمكانها ان تزعزع ركائز الحكم القائم بالمغرب، الأمنية والسياسية والعسكرية والإدارية وغيرها من اعمدته الاقتصادية والمالية، وأن كل مايتوفر عليه هدا الجيل يكمن في تحليله الصحيح للتعقيدات المجتمعية بالمغرب والتعامل معها
تلك التعقيدات المتميزة بانقسامات تجعل المجتمع المغربي غير مؤهل حاليا لتوحيد صفوفه من أجل المطالبة بتغيير سياسي بالبلاد
كما تعتبر هده الحركة الشبابية ان الحد الأدنى الدي يمكن أن يجتمع حوله جل شباب وكهول وشيوخ المغرب هو المطالبة بإصلاح قطاع الصحة اولا ومنظومة التعليم ثانيا، إضافة الى مواجهة عاهة الفساد الدي ينخر كل المؤسسات والقطاعات التي يتوجه لها المواطنون لقضاء حاجياتهم الضرورية
كما أن المرابط الدي لم يعرف قط طوال سيرورته الصحفية المهتمة بالشؤون السياسية نمطا آخرا للنضال غير دلك الشكل التقليدي الدي تعودنا كلنا على التحرك من خلاله، الا هو الشكل الحزبي الخاضع للتنظيم الهرمي الدي تمتثل فيه القواعد الحزبية لقرارات الكتاب العامين والرؤساء واللجان المركزية والانضباط لتعليماتها
فكيف للمرابط ولنا جميعا كقدماء المحاربين داخل هدا النمط الوحيد، ان لا نفقد البوصلة لما ننظر إلى بروز نمط جديد في العمل النضالي، لايوجد فيه رئيسا او قائدا او لجنة مركزية او ناطقا رسميا، بل يعطي لكل مكوناته فردا فردا وعنصرا عنصرا، اتواجد هؤلاء الأفراد في شرق المغرب أو في شماله وجنوبه، حق التعبير بكل حرية عما تريده الجماهير الشبابية والى جانبها اسرها وعائلاتها وما تطمح اليه من تغيير يتجسد في المطالبة باصلاحات اجتماعية واقتصادية
انسان كالمرابط وككاتب هده السطور وغيرنا من شيوخ ودينوصورات النضال العتيق الدي لم يستطع تغيير النظام السياسي بالمغرب، نقف اليوم حائرين أمام هده الهبة الشبابية الممتدة من وجدة الى أكادير ومن الصويرة الى ورزازات ومن عين اللوح وازرو الى تخوم محاميد الغزلان.
هده الدينامية التي لم نكن نتوقعها او حتى نتخيل حدوثها الدي فاجأنا كما فاجأ الوزراء والبرلمانيين والنقابيين والناس أجمعين
أليس برائع يستحق رفعنا للقبعات ماقام به هؤلاء الشباب في ظرف وجيز من الزمن لما استطاعوا من خلال تطبيقات هاتفية وحاسوبية اتفقوا على استعمالها للتواصل فيما بينهم، ان يعبؤوا عشرات الآلاف من المواطنين من كل الأعمار والطبقات المجتمعية؟
يقول مثل فرنسي أمام امر صعب الاستيعاب
un chat y perdrait ses petits"
بمعنى ان من يحدث له شيئ لم يستطع فهمه او استيعابه، يفقد توازنه
هدا مايحدث لنا كشيوخ النضال الدينوصوري، نضال فقد كل طعمه وأصبح غير قابل للتنزيل، أمام مانشاهده اليوم من حراك ابتكره جيل زد وشاع صيته بأمريكا حيث تتطرق له اكبر المجلات كالواشنطن بوسط وفرنسا لما تخصص له جرائد دات صيت كبير كلموند وليبيراسيون حيزا كبيرا من صفحاتها
فأصبح البعض منا يتسائل ارتكازا على النمط القديم الدي ترسخ في دماغنا : هل الجزائر او قوى خارجية أخرى هي من تقف وراء حراك جيل زد ؟
وهل هدا الجيل قادر بامكاناته الضئيلة وادواته الجد محدودة ان يقلب الطاولة على الحكومة المغربية ويجعلها تدخل في غيبوبة شبه دائمة وتجعل القصر الملكي غير قادر على الخروج ولو ببيان مقتضب يوضح من خلاله موقف رئيس الدولة تجاه هده الاضطرابات التي تنتشر بشكل مخيف بالنسبة للجسم النضالي القديم للمجتمع المغربي؟
فنزل الشيوخ القدامى ليدلوا بتحليلاتهم عبر تصريحات وتدوينات تتسم بلغة الخشب المتهالك(الفرشي) غير قادرين على اسستعاب او حتى فهم مايحدث بجل المدن او حتى القرى المغربية
ابتعد اسي علي المرابط عن هدا الحدث الجلل الدي اكتسح كل ارجاء المملكة لأنك وانا معك وغيرنا، غير مؤهلين بعقليتنا المتحجرة ان نفهم مايدور حولنا من احداث
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire